ها نحن قد عدنا من إجازتنا، ما بين محمل بالحسنات، و آخر محمل بالسيئات، و ها نحن نستقبل عامنا الدراسي الجديد، و ها هنا وقفات أردت أن نقفها جميعا، لعل فيها ذكرى للذاكرين.
الوقفة الأولى:
إنه ليس من نافلة القول أن نذكر الجميع بالإخلاص لله في عمل من أعظم الأعمال، و أشرفها ألا و هو طلب العلم، و أن ننوي بهذا العلم نفع الإسلام و المسلمين.
فليراجع كل واحد منا ما هي نيته و ما هو قصده بطلب العلم؟
و علينا تذكير أبنائنا بذلك بين الحين و الأخر، و لا يكن هم أحدنا هو الدنيا فقط، و طلب الوظيفة.
فو الله إن العبد إذا طلب الآخرة جاءته الدنيا و الآخرة، و من طلب الدنيا فاتته الآخرة و لم يأته من الدنيا إلا ما كتب له.
الوقفة الثانية:
نرى كثيرا من الآباء عند شراء مستلزمات المدارس؛ ما بين إفراط و تفريط، فهناك أب لا يبالي بما يشتري لأبنائه.
ولو كان في ذلك إسراف و تبذير، بل لا يسال أبنائه عن مدى حاجتهم لتلك الأشياء، و في المقابل نرى بعض الآباء يقتر على أولاده و يشدد عليهم في شراء تلك الأشياء، و ربما تضجر و تافف من كثرة طلبات أبنائه.
فأما الأول فأقول له: اتق الله، و اعلم أنك مسئول بين يدي الله عن كل ريال تنفقه، فيا لله من الريالات بل الآلاف التي سوف تسال عنها و التي ربما تكون سببا في حجبك عن الجنة.
أخي:
إن الله لا يحب المسرفين، و الله جعل المبذرين إخوانا للشياطين، فلماذا يا أخي لا تقتصد في شراء تلك المستلزمات، لماذا لا تسأل أبناءك هل هذه الأشياء مطلوبة حقا، و إذا كانت مطلوبة هل يمكن أن نشتري أشياء جيدة و نوفر بقية المبلغ لمن يحتاج إليه.
و أما ذلك الذي يقتر على أبناءه فأقول له: ألا تعلم أن كل نفقة تنفقها تبتغي بها وجه الله يكتب الله لك بها حسنة كما ورد ذلك في الحديث الصحيح عنه - صلى الله عليه وسلم -، بل و جعل الصدقة على الأهل أفضل من الصدقة على غيرهم، فلنحتسب كل هذه النفقات على أولادنا عند الله - سبحانه -.
الوقفة الثالثة:
احذر أيه الأب الكريم من عدة مخالفات يقع فيها كثير من الناس، و هي ربما أصبحت عند كثير من الناس أمرا عاديا و قد تكون من كبائر الذنوب:
1- شراء الأشياء التي تشتمل على بعض المحرمات و من ذلك شراء الأشياء بها صور لذوات الأرواح: فقد صح عنه - صلى الله عليه وسلم - انه قال: (لا تدخل الملائكة بيتا فيه كلب أو صورة) متفق عليه من حديث أبي طلحة، فهل ترضى أن تحرم من دخول الملائكة إلى بيتك.
بل إن أصحاب الصور و من يرضى بها؛ داخل في حديث النبي - صلى الله عليه وسلم -: (أن أصحاب هذه الصور يعذبون يوم القيامة، و يقال لهم: احيوا ما خلقتم) متفق عليه من حديث عائشة.
و في حديث ابن مسعود في الصحيحين: (إن اشد الناس عذابا يوم القيامة المصورون).
و بعض هذه الصور تحمل صورا لأهل الشرك أحيانا، وإذا بابن الإسلام يحمل فوق حقيبته أو دفتره صورة لمشرك، أو عقيدة من عقائدهم.
أخي:
أنا اعلم انك سوف تقول بان وجود مستلزمات مدرسية بدون صور أصبح شيئا نادرا.
فأقول لك بأنه - و لله الحمد - لا يزال يوجد أشياء بلا صور، و لا تنس (و من يتق الله يجعل له مخرجا).
فإذا اضطررت إلى هذه شراء هذه الأشياء التي بها صور لذوات الأرواح، فهناك - و الحمد لله - ما يمكنك من طمسها بدون أن يحدث فيها عيبا، بل ربما زادها جمالا، و المكتبات مليئة بها.
هذه هي سنة نبيك محمد - صلى الله عليه وسلم - فقد ثبت في صحيح مسلم من حديث علي قال لأحد أصحابه: (ألا أبعثك على ما بعثني عليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ألا تدع صورة إلا طمستها، و لا قبرا مشرفا إلا سويته).
و من ذلك العباءات المخصرة والمطرزة، و الملونة نحوها.
فاحذر يا أخي من شراء شيء محرم حتى لا تتعرض لسخط الله - تعالى -.
2- الاختلاط بين الرجال و النساء في الأسواق و المكتبات:
إن مما يؤسف له أن ترى كثيرا من المسلمين في أول أسبوع من الدراسة و فقد أخذ أهله فزج بهم في زحمة الأسواق و المكتبات، حيث ترى اختلاط الرجال بالنساء، و الشباب الذين أكثرهم ممن لا يخاف الله بالشابات.
فا يا عبد الله: اتق الله وكن غيورا على محارمك، وليس هذا و الله من باب الشك و الريبة، أو عدم الثقة بالأهل، و لكنها الغيرة المحمودة التي يحبها الله، و لا خير في رجل لا يغار على أهله.
عليك أن تشتري بنفسك هذه الأشياء، فان لم تستطع فعليك بالذهاب مع أهلك، و لا تحتج بكثرة المشاغل، فاني اعرف رجلا وكيلا لوزارة و مع هذا لا يذهب بأهله إلا هو.
وعليك أن تختار الوقت و المكان الذين يقل فيهما الزحام.
الوقفة الرابعة:
أخي الحبيب؛ هل تذكرت و أنت تشتري لأبنائك هذه المستلزمات أبناء جيرانك، و إخوانك من المسلمين ممن حرموا من المال.
هل تذكرت وأنت ترى البسمة على شفاه أبنائك، كم من أبناء المسلمين من حرم هذه البسمة.
هل تذكرت و أنت ترى أبنائك يأتون إليك و كل و احد يطلب طلبا - و أنت تعدهم بتحقيق تلك الطلبات أبناء جيرانك و قد أتوا إلى أبيهم و كل واحد يطلب طلبه و الأب يحبس دمعاته من عينيه حتى لا يراها أبنائه.
أخي:
اعلم بان من أعظم الصدقات سرور تدخله على أخيك المسلم (كما ثبت ذلك عنه - صلى الله عليه وسلم - حيث قال: أفضل الأعمال أن تدخل على أخيك المؤمن سرورا أو تقضي عنه دينا أو تطعمه خبزا) (الصحيحة 1494).
فبادر يا أخي و تصدق بشيء من مالك، أو بشراء بعض المستلزمات و الأدوات المدرسية و إهدائها إلى جيرانك.
فيا لله كم من الفرحة، و كم من السرور سوف يدخل على قلب ذلك الطفل، و ذلك الأب، الذي ربما كتب الله لك به التوفيق و الرضا إلى يوم تلقاه.
أما غفر الله لامرأة بغي سقت كلبا، فكيف بمن يتصدق على مسلم مؤمن؟
و لو أن كل واحد منا عندما يشتري هذا الأدوات لأبنائه، زاد فيما يشتري، ثم تصدق بذلك، أو اشترى أدوات تكفي لشخص واحد، لسُدت حاجات كثير من أبناء المسلمين.
فإن عجزت يا أخي عن هذا، فلا أقل من أن تبادر الآن بتصفية ما تبقى من ملابس و أدوات و مستلزمات قديمة، فتتبرع بها ما دامت بحالة جيدة، أو أعطيتها إمام مسجدك ليوصلها لمن يستحقها.
و لا تقل: إنها قديمة أو ذلك شيء قليل، أو سأفعل لاحقا، فكل هذه من تثبيط الشيطان.
فكم من الحسنات في هذه الأشياء و أنت لا تدري.
جاءت سائلة إلى أم المؤمنين عائشة تطلب طعاما.
فلم تجد إلا حبة عنب واحدة، فتصدقت بها.
فعجبت مولاتها (خادمتها) من ذلك.
فقالت عائشة: كم من مثاقيل الذر في هذه العنبة (أو كما قالت).
(فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره)
أسأل الله أن يوفقنا أجمعين لمل يحب و يرضى، و صلى الله على نبينا محمد و آله و سلم.
الكاتب: محمد الجابري